إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
مجموعة محاضرات ودروس عن الحج
108318 مشاهدة
بحث في: وجوب التمسك بهدي النبي في الحج والبعد عن البدع ومحدثات الأمور

صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا، أما بعد:
فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم – كان يقول في خطبه: إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار وفي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم يحث الأمة على أن يعملوا بالقرآن الذي هو النور والهدى، ويحذرهم عن الإعراض عنه وعن التكذيب به، وقد توعد الله من أعرض عنه قال الله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى .
والهدى الذي من اتبعه لا يضل هو كتاب الله وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم - والذكر الذي يضل من أعرض عنه هو كتاب الله تعالى، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وحيث إن كل مسلم يفتخر أن يكون من أهل الإسلام الحقيقي ومن أتباع النبي -صلى الله عليه وسلم - ويحب أن يحشر في زمرة أمته، وأن يكون من المحبين له فإن على المسلمين جميعًا أن يحرصوا على اتباع هذا القرآن، وعلى الاقتداء به، وعلى اتباع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والتقيد بسنته وبشريعته، وعدم الابتداع؛ حيث أخبر أن كل محدثة بدعة. أي كل ما أحدث في الشرع فإنه يعتبر بدعة مضافة إلى الشرع، مردودة على من جاء بها؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم - من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ أي مردود عليه.
ولا شك أن من ذلك أمور العبادات التي شرعها الله تعالى على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- وحث أمته على أن يعلموا بها. أمور الحج من العبادات، فكل مسلم يحب أن يقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه الشريعة، يحب أن يقتدي به في هذه الشعائر، وفي هذه المناسك، وأن يكون من المقتدين به والمتبعين له والمتمسكين بسنته التي أوصى بالتمسك بها في آخر حياته. ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعه فهكذا أمر بأن نتمسك بسنته.
تمسكوا بها يعني: اقبضوا عليها بالأيدي، وإذا خفتم أن تتفلت فعضوا عليها بالنواجذ وهي أقاصي الأسنان؛ ذلك كله حث على التمسك بالسنة؛ وذلك لأنه عرف بأن هناك مبتدعة، هناك ضلال ومبتدعة يحدثون في الشرع ما ليس منه، ويضيفون إليه أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ويشرعون للأمة شرعا لم يأذن به الله، يدخلون في قول الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وشرع الله تعالى كامل.
أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في يوم عرفة قول الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .
فأخبر بأنه قد أكمل دين الإسلام والكامل لا يحتاج إلى زيادة ولا إضافة شيء .
فعلى هذا المسلم يحرص على أن يسأل عن السنة النبوية في هذه الأعمال ويتبعها، ويحرص على التقيد بها بدون زيادة وبدون نقصان أو خلل.
ولقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأن هناك بدع ومحدثات، وإنها زيادة على شرع الله تعالى؛ فذلك لا يجوز لأحد أن يبتدع أو يفعل تلك الزيادات التي ليست في دين الله من شيء، ونذكر لذلك أمثلة؛ ليكون المسلم على بصيرة من دينه. فمن ذلك أمور تفعل في الطواف بالبيت وفي الصفا والمروة كالذين يتعلقون بأستار الكعبة ويدعون أنها تعصمهم أو تنفعهم مبتدعه، والذين يتمسحون بجدران الكعبة مبتدعة أيضا، والذين يتمسحون بجدار الحجر حجر إسماعيل مبتدعة أيضا، وكذلك الذين يتمسحون بزجاج المقام مقام إبراهيم كلما مروا عليه مسحوه بأيديهم، ومسحوا بها وجوههم، لا شك أن هذه لم يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا شك أنهم على خطأ في ذلك؛ حيث إنهم يعتقدون أنها تنفعهم، أن هذه الكسوة تنفعهم، وأنها تشفيهم أو أن هذا الزجاج أو هذه الحجارة تشفي مرضاهم، أو تشفع لهم، أو تدفع عنهم الأذى، أو تجلب لهم الخير؛ فيتعلقون بها وهذا تعلق بغير الله.
وقد أبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- التعلق بالمخلوقات، وأمر المسلمين أن يكون تعلقهم بربهم، وأن يعتمدوا على الله تعالى في نفعهم، وفي جلب الخير لهم؛ فإنه الذي يمرض ويشفي، كما حكي الله تعالى عن إبراهيم أنه قال: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ فهذا خبر من الله عن إبراهيم أن المسلم الموحد يتعلق بربه، ولا يتعلق بهذه الأحجار ولا بهذا الزجاج أن ولا بغير ذلك.
وهكذا أيضًا الذين يصعدون الجبال يعتقدون أن صعودها فيه بركات. صعودهم من جبل الرحمة واعتقادهم أن حجارته، أو أن الجبل نفسه ينفعهم، أو يتبركون بصعوده، أو أن العمل في سطحه أفضل منه في غيره، وكذلك الذين يصعدون إلى غار حراء الذي كان يتعبد به النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن ينزل عليه الوحي، أو يصعدون إلى غار ثور الذي اختفى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما خرج.
ولا شك أن هذا ليس من الشرع؛ ولو كان من الشرع لفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن أوحى إليه، وفعله بعد أن حج حجة الوداع أو اعتمر عمرة، لا ... صعود مثل هذه الجبال؛ فذلك الذين يتبركون بالمكان، هناك مواقع، ويقولون: هذا مولد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو هذا مولد علي بن أبي طالب وما أشبه ذلك، وكل هذه لا حقيقة لها، ولا يتعلق المسلم بها وليس لها فائدة.
كذلك أيضًا ننبه على أن الذين يعتقدون أن الحج لا يكون إلا بزيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم - وقبور الشهداء وقبور أهل مكة والمدينة ويرون أن رجوعه دون أن يزوروه يعتبر نقصا في عبادتهم، وهذا أيضًا اعتقاد خاطئ؛ وذلك لأن الأحاديث التي يتعلقون بها مكذوبة موضوعة، مثل الحديث الذي يقول فيه: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) هذا كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقولهم: (من زارني بعد مماتي فكأنما زاني في حياتي) هذا أيضًا مكذوب، وكذلك قولهم: (من زارني في دار أبي إبراهيم في سنة واحدة وجبت له شفاعتي ). وأشباه ذلك؛ فهذه لا يصح منها شيء ولو رواها أمثال الدارقطني وأمثال الطيالسي فلا عبرة بها؛ فأسانيدها واهية ضعيفية.
فإذا أراد الإنسان أن يزور المدينة أن يكون قصده المسجد النبوي أن يزور المسجد؛ وذلك لأنه الذي تضاعف الصلاة فيه بألف: الصلاة في المسجد النبوي تعدل ألف صلاة فيما سواه فإذا كان الإنسان يتطلع إلى زيارة المدينة جعل زيارته للمسجد، ومتي وصل إلى المسجد فصلي فيه ركعتين لا بأس بعد ذلك أن يزور القبر النبوي وقبر الخليفتين، ويأتي القبر ويسلم: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته، اللهم إنا نسألك أن ترفع مكانه وأن تؤتيه المقام المحمود والدرجة والوسيلة والدرجة الرفيعة.
وكذلك تسلم على أبي بكر السلام عليك يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسأل الله أن يجزيك ما جزى خليفة عن هذه الأمة.
ثم يسلم أيضًا على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فيشهد له بأنه قد قام بالخلافة أحسن قيام، وأنه جاهد في الله حق جهاده، وهكذا يزور البقيع التي فيه قبور كثير من الصحابة وإن كانت غير محددة.
القبور المحددة ليست صحيحة، الذين يقولون هذا قبر عثمان أو هذا قبر فاطمة ليس لهم علم لأن القبور هذه اشتبه بعضها ببعض ولا يظهر شيء منها.
كذلك أيضًا إذا زار قبور الشهداء في أحد زارهم وسلم عليهم جميعا ودعا لهم بالمغفرة والرحمة، ولا يخص أحدا لا حمزة ولا غيره؛ وذلك لأنهم جميعًا اختلفت قبورهم ولم يتميز منها قبر عن قبر، وهم سبعون من الصحابة . لا شك أن هذا مشروعًا.
وزيارة القبور مشروعة، حتى في كل بلد أن يزور الإنسان قبور بلده كلما أحس بقسوة في قلبه؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم بالآخرة .
فزيارة القبور فيها فائدتان:
الأولى: تذكر الآخرة وتذكر الاستعداد للموت، ولما بعد الموت .
والثاني: الدعاء للأموات. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، أنتم لنا سلف ونحن في الآخر .
اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم ، فهذا هو المشروع في زيارة القبور. الدعاء لهم، والسلام دعاء..، ولا يدعون مع الله.
وكذلك يترحم عليهم يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، وكذلك أيضًا يدع لهم: اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم. فهذا هو المشروع في زيارة القبور، سواء قبور أهل المدينة أو غيرهم، ولا يجوز شد الرحال لزيارة القبور؛ بل يزورها من قريب؛ فإن كل بلدة لا تخلو أن يكون فيها قبور فيزورها من قريب دون أن يرحل إليها.
هذا هو المشروع، فيتمسك المسلمون بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويبتعدوا عن البدع؛ حتى يكونوا من أهل السنة الذين أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهم: أهل الفرقة الناجية .. إلى قيام الساعة .